سورة الطارق - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطارق)


        


قوله تعالى {والسماءِ والطارقِ} هما قسمَان: {والسماءِ} قَسَمٌ، {والطارقِ} قَسَمٌ.
{الطارق} نجم، وقد بيّنه الله تعالى بقوله: {وما أدْراكَ ما الطارقُ * النجْمُ الثّاقبُ} ومنه قول هند بنت عتبة:
نحْنُ بنات طارِق *** نمْشي على النمارق
تقول: نحن بنات النجم افتخاراً بشرفها، وإنما سمي النجم طارقاً لاختصاصه بالليل، والعرب تسمي كل قاصد في الليل طارقاً، قال الشاعر:
ألا طَرَقَتْ بالليلِ ما هجَعوا هندُ *** وهندٌ أَتى مِن، دُونها النأيُ والصَّدّ
وأصل الطرق الدق، ومنه سميت المطرقة، فسمي قاصد الليل طارقاً لاحتياجه في الوصول إلى الدق.
وفي قوله {النجم الثاقب} ستة أوجه:
أحدها: المضيء، قاله ابن عباس.
الثاني: المتوهج، قاله مجاهد.
الثالث: المنقصّ، قاله عكرمة.
الرابع: أن الثاقب الذي قد ارتفع على النجوم كلها، قاله الفراء.
الخامس: الثاقب: الشياطين حين ترمى، قاله السدي.
السادس: الثاقب في مسيره ومجراه، قاله الضحاك.
وفي هذا النجم الثاقب قولان:
أحدهما: أنه زُحل، قاله عليّ.
الثاني: الثريّا، قاله ابن زيد.
{إن كُلُّ نفْسٍ لّما عليها حافِظٌ} فيه وجهان:
أحدهما: (لّما) بمعنى إلاّ، وتقديره: إنْ كل نفس إلاَّ عليها حافظ، قاله قتادة.
الثاني: أن (ما) التي بعد اللام صله زائدة، وتقديره: إن كل نفس لعليها حافظ، قاله الأخفش.
وفي الحافظ قولان:
أحدهما: حافظ من الله يحفظ عليه أجله ورزقه، قاله ابن جبير.
الثاني: من الملائكة يحفظون عليه عمله من خير أو شر، قاله قتادة.
ويحتمل ثالثاً: أن يكون الحافظ الذي عليه عقله، لأنه يرشده إلى مصالحه، ويكفّه عن مضاره.
{يَخْرُجُ مِنْ بَيْن الصُّلْبِ والتّرائِب} فيه قولان:
أحدهما: من بين صلب الرجل وترائبه، قاله الحسن وقتادة.
الثاني: بمعنى أصلاب الرجال وترائب النساء.
وفي الترائب ستة أقاويل:
أحدها: أنه الصدر، قاله ابن عياض، ومنه قول دريد بن الصمة.
فإنَّ تُدْبروا نأخذكُم في ظهوركم *** وإنْ تُقْبِلُوا نأخذكُم في الترائب
الثاني: ما بين المنكبين إلى الصدر، قاله مجاهد.
الثالث: موضع القلادة، قاله ابن عباس، قال الشاعر:
والزعفران على ترائبها *** شرق به اللّباتُ والنحْرُ
الرابع: أنها أربعة أضلاع من الجانب الأسفل، قاله ابن جبير، وحكى الزجاج أن الترائب أربعة أضلاع من يمنة الصدر وأربعة أضلاع من يسرة الصدر.
الخامس: أنها بين اليدين والرجلين والعينين، قاله الضحاك.
السادس: هي عصارة القلب، قاله معمر بن أبي حبيبة.
{إنّه على رَجْعِهِ لقادرٌ} فيه خمسة أوجه:
أحدها: على أن يرد المني في الإحليل، قاله مجاهد.
الثاني: على أن يرد الماء في الصلب، قاله عكرمة.
الثالث: على أن يرد الإنسان من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة، قاله الضحاك.
الرابع: على أن يعيده حيّاً بعد موته، قاله الحسن وعكرمة وقتادة.
الخامس: على أن يحبس الماء فلا يخرج.
ويحتمل سادساً: على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه في الآخرة لأن الكفار يسألون الله فيها الرجعة.
{يومَ تُبْلَى السّرائرُ} أي تَظْهَر.
ويحتمل ثانياً: أن تبتلى بظهور السرائر في الآخرة بعد استتارها في الدنيا.
وفيها قولان:
أحدهما: كل ما استتر به الإنسان من خير وشر، وأضمره من إيمان أو كفر، كما قال الأحوص:
ستُبلَى لكم في مُضْمَرِ السِّرِّ والحشَا *** سَريرةُ ودٍّ يومَ تُبلَى السرائرُ.
الثاني: هو ما رواه خالد عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأمانات ثلاث: الصلاة والصوم والجنابة، استأمن الله ابن آدم على الصلاة، فإن شاء قال: قد صليت ولم يُصلّ، استأمن الله ابن آدم على الصوم، فإن شاء قال: قد صمت ولم يصم، استأمن الله ابن آدم على الجنابة، فإن شاء قال: قد اغتسلت ولم يغتسل، اقرؤوا إن شئتم: {يوم تُبْلى السّرائرُ}».
{فما لَهُ مِن قُوَّةٍ ولا ناصَرٍ} فيه قولان:
أحدهما: أن القوة العشيرة، والناصر: الحليف، قاله سفيان.
الثاني: فما له من قوة في بدنه، ولا ناصر من غيره يمتنع به من الله، أو ينتصر به على الله، وهو معنى قول قتادة.
ويحتمل ثالثاً: فما له من قوة في الامتناع، ولا ناصر في الاحتجاج.


{والسماءِ ذاتِ الّرجْعِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: ذات المطر، لأنه يرجع في كل عام، قاله ابن عباس.
الثاني ذات السحاب، لأنه يرجع بالمطر.
الثالث: ذات الرجوع إلى ما كانت، قاله عكرمة.
الرابع: ذات النجوم الراجعة، قاله ابن زيد.
ويحتمل خامساً: ذات الملائكة لرجوعهم إليها بأعمال العباد، وهذا قَسَمٌ.
{والأرضِ ذاتِ الصّدْعِ} فيها أربعة أقاويل:
أحدها: ذات النبات لانصداع الأرض عنه، قاله ابن عباس.
الثاني: ذات الأودية، لأن الأرض قد انصدعت بها، قاله ابن جريج.
الثالث: ذات الطرق التي تصدعها المشاة، قاله مجاهد.
الرابع: ذات الحرث لأنه يصدعها.
ويحتمل خامساً: ذات الأموات، لانصداعها عنهم للنشور وهذان قسمان:
{إنّهُ لَقَولٌ فَصْلٌ} على هذا وقع القَسَمُ، وفي المراد بأنه قول فصل قولان:
أحدهما: ما قدّمه عن الوعيد من قوله تعالى: {إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر} الآية. تحقيقاً لوعيده، فعلى هذا في تأويل قوله {فَصْل} وجهان:
أحدها: حد، قاله ابن جبير.
الثاني: عدل، قاله الضحاك.
القول: ان المراد بالفصل القرآن تصديقاً لكتابه، فعلى هذا في تاويل قوله (فصل) وجهان:
أحدهما: حق، قاله ابن عباس.
الثاني: ما رواه الحارث عن عليّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتابِ الله فيه خير ما قبلكم، وحكم ما بعدكم، هو الفصل ليس بالهزل، مَنْ تركه مِن جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله».
{وما هو بالهزْلِ} وهذا تمام ما وقع عليه القسم، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: باللعب، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني: بالباطل، قاله وكيع والضحاك.
الثالث: بالكذب، قاله السدي.
{إنّهم يَكِيدُونَ كيْداً} يعني أهل مكة حين اجتمعوا في دار الندوة على المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وإذ يمْكَرُ بك الذين كَفَروا لِيُثْبِتوكَ أو يَقْتلوكَ أو يُخْرِجوكَ} فقال ها هنا: {إنهم يكيدون كيداً} أي يمكرون مكراً.
{وأكيدُ كيْداً} يعني بالانتقام في الآخرة بالنار، وفي الدنيا بالسيف.
{فمهّلِ الكافرين أَمْهِلْهم رُوَيْداً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: قريباً، قاله ابن عباس.
الثاني: انتظاراً، ومنه قول الشاعر:
رُويْدك حتى تنطوي ثم تنجلي *** عمايةُ هذا العارضِ المتألّقِ
الثالث: قليلاً، قاله قتادة.
قال الضحاك: فقتلوا يوم بدر.
وفي (مهّل) (وأمْهل) وجهان:
أحدهما: أنهما لغتان معناهما واحد.
الثاني: معناهما مختلف، فمهّل الكف عنهم، وأمْهِل انتظار العذاب لهم.